موضوع يستحق القراءة والاهتمام
وفيه الكثير من المعلومات القيمة والتي يجب ان نلم بها
وان نقرا الكثير بدقة وامعان
والذي يحمل اسما وارق تاريخ عرفته
الامة العربية والاسلامية
لان فلسطين لم تنشأ حديثا كما يدعي اعداءنا
بل كنا دائما اصحاب الارض
من هم الفلسطينييون؟
مقدمة:
تعتبر قضية الفلسطينييون Philistines واحدة من أهم إشكاليات علم الآثار الفلسطيني, وبالرغم من المادة الكبيرة التي تراكمت في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع, إلا أنها ما زالت تحظى باهتمام متجدد حتى يومنا هذا. وما كتب باللغة العربية حول الموضوع يسير للغاية, ولا يتعدى الإشارة العرضية في بعض المؤلفات التاريخية العامة, بما أسهم في تكريس مفاهيم تبسيطية وساذجة حول أصل الفلسطينيين, مستمداً أساساً من وجهة النظر التوراتية.
تهدف هذه المقالة إلى وضع الحقائق الأولية حول الموضوع أمام القارئ العربي, وذلك في إطار محاولة تطوير رؤية أثرية نقدية متحررة من كابوس الرؤية التوراتية, التي وسمت الأبحاث السابقة حول الموضوع, وذلك بالاستعانة بنتائج التنقيبات الأثرية الجديدة, التي ألقت المزيد من الأضواء حول هذه المشكلة.
أصبح مصطلح «فلسطي» في الثقافة الأوروبية المعاصرة مرادفاً لضيف الأفق والتهالك المادي, وأخذ مصطلح مدلوله غير التاريخي هذا من الوصف التوراتي للفلسطيين. فالعهد القديم يصف الفلسطيين بأقذع الأوصاف, ويعتبرهم أوغاد ما قبل العهد الآشوري(1) في فلسطين. وتوفر المكتشفات الأثرية أساساً لإعادة النظر في هذا الحكم المتحيز لرواة التوراة. ولكن بسبب غياب مصطلح معياري في اللغة العربية لهذا المفهوم القديم, وتجنباً لأي لبس, فإنني استخدام مصطلح «فلسطيون» كمقابل للتسمية المصرية بيليست Peleset والتوراتية فلستيون Philistines أو فلشتيم بالشكل العبري, وذلك تمييزاً لهم عن الفلسطينيين, باعتبارهما مصطلحين متمايزين يشيران إلى واقعين تاريخيين متمايزين, رغم حقيقة أن هذه الجماعة قد أعطت إسمها للبلاد دونما منازع, ورغم العلاقة اللغوية الاشتقاقية الصحيحة للتسمية اللاحقة.
وعلى ذلك فالبحث عن تاريخ الفلسطينيين ليس تنقيباً عن الجذور كما يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة, فالفلسطينيون المعاصرون ليسوا مجموعة عرقية, بل هم نتاج لعملية تاريخية طويلة. وليس معنى ذلك أن هناك فصلاً بين الحاضر والماضي. فالتاريخ هو السيرورة, وهو نشاط الناس المستمر وغير المنقطع.
من هم الفلسطيون؟
يعتبر شامبيليون أول من ربط فلسطيي الروايات التوراتية بالبيلست سنة 1832. وفي سنة 1857 عرف بروغش بيليست بالفلسطيين(2), ومنذ ذلك الوقت أصبح الربط ما بين فلسطيي الروايات التوراتية وبيليست, التي جاءت في الكتابات المصرية مقبولاً على نطاق عالمي. وجاء ذكر الفلسطيين في المصادر التاريخية المصرية من القرن الثاني عشر ق.م, ثم في المصادر التاريخية الآشورية بدءاً من القرن الثامن ق.م, إضافة إلى الروايات التوراتية.
تاريخ المشكلة
ولفت ولش(3) في مقالة كتبها سنة 1900 لأول مرة أنظار الدارسين إلى الخلفية الإيجية لحضارة الساحل الجنوبي من فلسطين, ثم تلاه الألماني تيرش(4) (1908) الذي صاغ المصطلح «الفخار الفلسطي». وفي سنة (1911) أصدر ماكلستر(5) كتابه عن حضارة الفلسطيين, معتمداً على المعطيات البسيطة في تلك الفترة, ويعتبر هذا الكتاب وبحق حجر الزاوية في تاريخ الأبحاث حول الحضارة الفلسطية. وتواكب هذا النشاط المبكر مع التنقيات الأولى التي أجراها ما كلستر ويلس (6) في تل زكريا وتل الصافي 1898 ـ 1900 وتنقيبات ماكلستر في تل أبو شوشة وما كنزي(7) في عين شمس.
وشهدت فترة ما بين الحربين العالميتين نشاطاً ملحوظاً في هذا الاتجاه, تمثل في تزايد أعمال التنقيب في المواقع الفلسطينية, إضافة إلى صدور عدد من الدراسات حول بعض جوانب الحضارة الفلسطية, بما أعطى هذا الموضوع زخماً جديداً. كما ظهرت في هذه الفترة بعض الدراسات الهامة منها مقالة البرايب( حول التوابيت الشبيهة بالإنسان, ومقالة هيرتلي(9) (1936), حول العلاقة بين الفخار الفلسطي والفخار الميسيني.
وبعد الحرب العالمية الثانية استؤنفت التقنيات الأثرية في مجموعة من المواقع مثل تل الدوير والعفولة وتل جمة وتل الحسي... إلخ, كما بدأت تنقيبات جديدة في تل قصيلة والشيخ أحمد العرايني ويازور وأسدود(10) إلخ. وظهرت بعض الدراسات الهامة منها دراسة فورمارك (1941) حول الفخار الميسيني(11) ومجموعة مقالات ونرايت(12) (1952. 1956. 1959) حول شعوب البحر, إضافة إلى دراسات كل من بارنت(13) (1969) والبرايت(14) (1975).
وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة إعادة بعث حقيقة للمشكلة, وتصدى لها العديد من الدراسات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعة أبحاث ترودي دوثان حول الحضارة الفلسطية كمقدمة لكتابها(15) الهام الصادر سنة 1967. كما عالج رايت(16) بعض الجوانب المتعلقة بالحضارة الفلسطية في مقالتين منفصلتين (1959 ـ 1965). وحول المدافن في المواقع الفلسطية ظهرت بعض الدراسات أهمها دراسة ولدباوم(17) (1966) وستيبنغ(18) (1970).
أما أهم الأبحاث المتأخرة, فهي مؤلف أورن(19) (1973) حول المقبرة الشمالية في بيسان ومؤلف ساندرز(20) (1978) حول تاريخ شعوب البحر, وتقرير عمحاي مزار (1982) حول المنطقة المقدسة في تل قصيلة, إضافة إلى الطبعة الإنجليزية لكتاب دوثان(21) (1982) عن الحضارة المادية للفلسطيين. وتاريخ الفلسطيين وحضارتهم المادية كانت موضوع رسالة ماجستير(22) قدمها كاتب هذه المقالة للجامعة الأردنية عام (1983), ورسالة ماجستير(23) قدمت لجامعة بنسلفانيا عام 1986, بالإضافة إلى فيض من الدرسات الحديثة(24).
الفلسطيون في المصادر التاريخية
تشكل الكتابات التاريخية أحد مصادر معرفتنا بالفلسطيين, وتتكون من المصادر التاريخية المصرية والآشورية, إضافة إلى الروايات التوراتية. ويعتبر الفلسطيون في هذا السياق أحد الأقوام القليلة التي أشير لها بشكل مؤكد في المصادر التاريخية منذ القرن الثاني عشر ق.م.
المصادر المصرية
تعتبر الكتابات التاريخية المصرية مصدراً هاماً للتعريف بالفلسطيين, وذلك نظراً لغياب أية مصادر أخرى من القرن الثاني عشر ق.م., وكان لهذه الكتابات دور فعال في إخراج المشكلة الفلسطية من حيز الروايات التوراتية الضيق, ووضعها موضع البحث التاريخي والأثري الجاد.
ذكر الفلسطيون في الكتابات المصرية منذ بداية القرن الثاني عشر ق.م. باسم بيلست, الذي ورد ضمن مجموعات شعوب البحر المسجلة على جدران المعبد الكبير بمدينة هابو(25), وذلك في معرض وصف رعمسيس الثالث لحربة ضد هؤلاء. وقد حفل هذا الوصف بصور المتحاربين ومن بينهم الفلسطيون. وتعود لنفس الفترة تقريباً بعض الإشارات التاريخية في بردية هاريس. وفي نهاية القرن الثاني عشر ق.م. ذكر الفلسطيون بشكل عابر في قائمة أسماء أمنربي(26), كما ترد إشارات هامة في قصة ون ـ أمون(27) التي تعود للقرن الحادي عشر ق.م., ولكن دون أن تأتي عليهم بالاسم.
لقد أسهمت هذه الإشارات مجتمعة في الكشف عن جوانب غامضة من تاريخ الفلسطيين وحضارتهم. وتوحي هذه الكتابات عموماً بأن الفلسطيين كانوا يشكلون العصب الرئيسي لجماعات شعوب البحر بما أهلهم للعب دور بارز في هذه الأحداث.
تحصي نقوش مدينة هابو حروب رعمسيس الثالث ضد الشماليين, في السنة الخامسة من حكمه 1189 ق.م., ثم الغزو البري والبحري الكبير في السنة الثامنة من حكمه 1186 ق.م(28). ويكشف هذا الغزو عن تحالف جديد من الشماليين جرى وصفع وتصويره في مدينة هابو, ويمكن الاستنتاج من نقوش السنة الثامنة وصورها بأن الصدام أخذ شكل معركة برية وأخرى بحرية.
المعركة البرية
يصف رعمسيس الثالث بداية سير المعارك بالقول:
«حاكت البلدان الأجنبية مؤامرة في جزرها فماج سكان اليابسة دفعة واحدة, ودب في نقوسهم الهلع, ولم تقو أي أرض على الثبات أمام جيوشهم من خاتي وكود وكركميش وأرزاوا وألاشيا, وقد أقيم مخيم في آمور».(29)
ثم ينتقل إلى ذكر المجموعات المتحاربة:
«لقد زحفوا قدماً صوب مصر, وكان اللهب معداً لهم, أما تحالفهم فكان من بيليست وتيكر وشكيلش ودنين ووشيش, وهم بلاد متحالفة بسطوا أيدهم على الأرض التي ساروا فوقها وقلوبهم مطمئنة بأن خطتهم ستنجح».(30)
ويصف استعدادهم بالقول:
« حضنت حدودي وجهزت أمامهم الأمراء وقادة الحاميات وجعلت فم النهر( ربما دلتا النيل) متأهباً كسور منيع بسفن الحرب, وهي سفن تعج من المقدمة إلى المؤخرة بمقاتلين أشداً, بكامل عدتهم, وقد أعلن النفير العام في مصر, وكان الرجال يزأرون كالأسود على قمم الجبال, أما رجال العربات فقد ضموا سائقين مختارين من أفضل وأبسل مقاتلي العربات, أما أولئك الذين وصلوا حدودي فأرواحهم أزهقت إلى الأبد».(31)
هذا ما جاء في وصف المعركة البرية. وفي صورتها يظهر أفراد الجيش المصري يعتمرون خوذاً يعلوها قرنان. وفي الجانب الآخر يظهر الأعداء بمعظمهم يقاتلون على عربات, على الطريقة الحثية, كل ثلاثة في عربة, في حين أن العربة المصرية فيها اثنان فقط, السائق ومحارب آخر. وعلى جدران المعبد (32) يظهر شعوب البحر حليقي الوجوه يعتمرون غطاء رأس مميز, مصنوع من دوائر من القصب مثبت بواسطة شريط مشدود تحت الذقن.
المعركة البحرية
يمكن الاستدلال من نقوش هابو بأن المعركة البحرية قد جرت هي الأخرى على مدخل مصر نفسها, حيث جرى صد المهاجمين.
وتصف الكتابات المعركة البحرية بالقول:
«أما أولئك الذين أتوا قدماً متحدين عبر البحر فكان اللهب أمامهم على فم النهر وسياج من الرماح يحيط بهم على الشاطئ, لقد استدرجوا إليها وحوصروا ثم أنهكوا على الشاطئ, وتحولوا إلى أكوام من الجثث, كما أن سفنهم و بضائعهم غرقت في البحر». (33)
ثم تجمل النصوص نتائج المعركة بالقول:
«ارتجفت أجساد الشماليين من بيليست وتيكر الذين تركوا أرضهم, وأزهقت أرواحهم, وهم محاربو عربات على البر ومجموعة أخرى على البحر. أما الذين وصلوا براً فقد دحروا وهزموا فآمون ـ رع كان لهم بالمرصاد. أما الذين دخلوا فم النهر فمثل الطيور التي علقت بالشبكة, لقد ذبح قادتهم, وهزموا وأسقط في أيديهم».(34)
وظهرت صور المعركة البحرية بين شعوب البحر والجيش المصري على الجدار الشمالي للمعبد الكبير في مدينة هابو. وتحت مشاهد المعركة ظهر السجناء الفلسطيون في أصفادهم. وتبدو سفن شعوب البحر لأول وهلة جديدة ومبتكرة, لكنها في الحقيقة لا تختلف عن قوالب النيل التقليدية المصرية(35).
والاختلاف الأساسي بينها وبين السفن المصرية هو أن الأولى تظهر بدون مجاديف, وأنها ذات مقدمة على شكل رأس الطائر, في حين أن مقدمة السفن المصرية على شكل رأس الأسد. (36) وفي مشاهد المعركة البحرية يظهر المحارب الفلسطي (37) حاملاُ زوجاً من الرماح وسيفاً مستقيماً ذا نصلين, إضافة إلى الدرع الدائري المميز والمختلف عن الدرع المصري المربع.
بردية هاريس
أما بردية هاريس فهي عبارة عن وثيقة وجدت في طيبة, ويعود تاريخها إلى أواخر حكم رعمسيس الثالث, وفيها تعقيب على حروبه مع شعوب البحر(38), وتذكر هذه الوثيقة أن رعمسيس الثالث قد استخدم الجماعات المهزومة كقوة عسكرية في الحاميات المصرية, وشكلت هذه الإشارة أساساً لما دعي لاحقاً بفرضية المستعمرات الفلسطينية (38) في دلتا النيل وفي النوبة على حدود مصر الجنوبية.
وتستند هذه الفرضية على التوابيت الشبيهة بالإنسان المكتشفة في تل نبشاه وتل اليهودية في مصر. وقد أجمعت الدراسات اللاحقة.(40) على بطلان هذه الفرضية, فمن جهة أصبح من البديهي بأن التوابيت الشبيهة بالإنسان هي عادة مصرية شاعت خلال الألف الثاني ق.م. ومن جهة أخرى ظهر الفخار الفلسطيني في سياق الطبقات العائدة إلى المملكة الجديدة جنباً إلى جنب مع الفخار المصري.(41) ولكن يبدو أن فشل المهاجمين في شق طريقهم إلى مصر قد حدا ببعضهم, على الأقل, للاستقرار في فلسطين.
الفلسطيون في المصادر الآشورية
كان الأشوريون أول من تكلم عن أرض الفلسطيين (42) منذ القرن الثامن ق.م . وقد غطى هذا الاسم الجزء الجنوبي من فلسطين, وهو الجزء الذي قطنه الفلسطيون في البداية, وأصبحت «فلسطياً» مقاطعة آشورية منذ أواخر القرن الثامن ق.م.
جاء ذكر الفلسطيين في الحوليات الآشورية منذ عهد حدد ـ نيراري الثالث (43) (812ـ788 ق.م.) وفي عهد تغلات ـ بيلسر الثالث (745ـ727 ق.م.) جرت الحملة الآشورية الأولى على فلسطيا(44) وتصف مسلة بازلتية (45) وجدت في أسدود حملة سرجون الثاني على المدينة سنة 713 ق.م.
ويبدو أن موقع فلسطيا على طريق البحر (46) وإشرافها على الطريق التجاري الدولي وطريق الحملات العسكرية العابر من مصر إلى الشمال ـ وبالعكس , إضافة إلى امتلاكها لموانئ ملائمة قد جعلها هدفاً طبيعياً لهذه الحملات, ولكن رغم السيطرة الآشورية تمكنت المدن الفلسطية من المحافظة على استقلالية نسبية, بدفعها الضرائب للملوك الآشوريين مقابل ضمان استقلالها الذاتي وحرية تجارتها الداخلية.
الفلسطيون في الروايات التوراتية
بقي العهد القديم المرجع الوحيد للتعريف بالفلسطين وحضارتهم حتى نهاية القرن التاسع عشر ق.م, وأدى ذلك إلى التأثير على اتجاهات الدارسين, ولكن مع ازدياد حجم النشاط الأثري والأبحاث التاريخية خرجت المشكلة إلى أفاق أرحب, مبرزة تناقض الروايات التوراتية مع المعطيات الأثرية.
و يتضح هذا التناقض في الروايات المختلفة عن أصل الفلسطينيين وانتشارهم الجغرافي إلى جانب محدودية المعرفة التوراتية بالأحداث التي جرت في بداية القرن الثاني عشر ق.م,. والصراع مع شعوب البحر والمصريين. فمن مجموع غزاة البر والبحر في حروب ميرنبتاح ورعميسيس الثالث يشير العهد القديم إلى الفلسطيين فقط (47). وربما يعود ذلك إلى الفاصل التاريخي الكبير الذي يربو على ستة قرون بين رعمسيس الثالث وأولى الإشارات التوراتية.
تذكر أقدم الروايات التوراتية في سفر التكوين بأن الفلسطينيين جاءوا من مصر وكسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم, وترددت الرواية في سفر أخبار الأيام الأولى. ويرتبط الفلسطيون في سفر صموئيل الأول بالكرثيين والبلئيين. كما أشير إلى منطقة غزة باسم النقب الكريتي (48), التي أخذها الباحثون التوراتيون كدليل على علاقة الفلسطيين ببلاد إيجة, والحقيقة أنها دليل لا يعتد به لأنها تفتقد أية براهين.
ويذكر العهد القديم رواية أخرى حول أصل الحقيقة في أسفار التثنية وإرميا وعاموس وهي أن الفلسطيين قدموا من كفتور(49). وتتضارب هذه الرواية سفر التكوين الأولى عن أصل الفلسطيين. وطابق بعض الدارسين(50) بين كفتور وكريت, وهي مطابقة لا يمكن الجزم بصحتها. ويتحدث العهد القديم عن تحالف المدن الفلسطية الخمس (البنتابولس) والمكون من غزة وعسقلان وأسدود وحات وعقرون, وعلى رأس كل مدينة حاكم (51) (سيرين).
كما يتحدث العهد القديم عن الصراع ما بين الفلسطينيين والعبرانيين في سفري صموئيل الأول والثاني, وقد جاءت الإشارات الأولى في سفر القضاة حيث انتصر شمغار بن عنات على الفلسطيين, ثم الصراع مع قبيلة دان, رغم أن موقع دان هو الجليل الشمالي, بما يترك ظالاً من الشك حول الرواية التوراتية.
وفي سفر صموئيل الأول يرد ذكر الحروب بين الفلسطيين والعبرانيين, ففي منتصف القرن الحادي عشر ق.م. هزم العبرانيون في معركة ابنازر في سهل سارونا, وأخضع الفلسطيون مناطق غربي فلسطين واستولوا على سيلون ومجدو وبيسان. واستمرت هذه السيطرة عدة أجيال في النصف الثاني من القرن الحادي عشر.(52) وفي فترة حكم شاؤول بدأت مرحلة جديدة من الصراع, تراجع فيها الفلسطيون عن بعض المناطق ثم عادوا فسيطروا عليها من جديد بعد موت شاؤول في معركة الجلبوع , والتي أسفرت عن نصر للفلسطينيين لم يدم طويلاً, مع بداية حكم داود بدأ نفوذ الفلسطيين في الانحسار تدريجياً, بعد احتلال مناطقهم شمال العوجا, ورغم ذلك استمروا في السيطرة على مراكزهم الأساسية في منطقة الساحل(53), وبعد قيام المملكة المتحدة ذكر الفلسطيون بشكل عرضي بما يوحي أن دورهم أصبح ثانوياً.
دفع الوصف التوراتي بالكثير من الدارسين إلى اعتبار التنظيم الاجتماعي للفلسطيني شكلاً لارستقراطية عسكرية(54), ولكن دلائل الحضارة المنسوبة للفلسطينيين تشير إلى تفاعل وتداخل عميقين يصعب في أغلب الأحيان فصله, بما لا يتأتي لأي أرستقراطية عسكرية أن تفرزه.
كما لا تنسجم الإشارات التوراتية حول ديانة الفلسطيين مع فرضية الأثريين التوراتيين حول أصل الفلسطيين. فمن الواضح أن ديانة الفلسطيين كانت محلية(55), ولا يوجد ما يميزها في العهد القديم عن الديانة الكنعانية, فأسماء آلهة الفلسطيين الكبيرة مثل داجون وعشتروت وبعل هي أساساً أسماء آلهة كنعانية,. هذا فضلاً عن تعارضها مع الدلائل الأثرية.
وفيه الكثير من المعلومات القيمة والتي يجب ان نلم بها
وان نقرا الكثير بدقة وامعان
والذي يحمل اسما وارق تاريخ عرفته
الامة العربية والاسلامية
لان فلسطين لم تنشأ حديثا كما يدعي اعداءنا
بل كنا دائما اصحاب الارض
من هم الفلسطينييون؟
مقدمة:
تعتبر قضية الفلسطينييون Philistines واحدة من أهم إشكاليات علم الآثار الفلسطيني, وبالرغم من المادة الكبيرة التي تراكمت في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع, إلا أنها ما زالت تحظى باهتمام متجدد حتى يومنا هذا. وما كتب باللغة العربية حول الموضوع يسير للغاية, ولا يتعدى الإشارة العرضية في بعض المؤلفات التاريخية العامة, بما أسهم في تكريس مفاهيم تبسيطية وساذجة حول أصل الفلسطينيين, مستمداً أساساً من وجهة النظر التوراتية.
تهدف هذه المقالة إلى وضع الحقائق الأولية حول الموضوع أمام القارئ العربي, وذلك في إطار محاولة تطوير رؤية أثرية نقدية متحررة من كابوس الرؤية التوراتية, التي وسمت الأبحاث السابقة حول الموضوع, وذلك بالاستعانة بنتائج التنقيبات الأثرية الجديدة, التي ألقت المزيد من الأضواء حول هذه المشكلة.
أصبح مصطلح «فلسطي» في الثقافة الأوروبية المعاصرة مرادفاً لضيف الأفق والتهالك المادي, وأخذ مصطلح مدلوله غير التاريخي هذا من الوصف التوراتي للفلسطيين. فالعهد القديم يصف الفلسطيين بأقذع الأوصاف, ويعتبرهم أوغاد ما قبل العهد الآشوري(1) في فلسطين. وتوفر المكتشفات الأثرية أساساً لإعادة النظر في هذا الحكم المتحيز لرواة التوراة. ولكن بسبب غياب مصطلح معياري في اللغة العربية لهذا المفهوم القديم, وتجنباً لأي لبس, فإنني استخدام مصطلح «فلسطيون» كمقابل للتسمية المصرية بيليست Peleset والتوراتية فلستيون Philistines أو فلشتيم بالشكل العبري, وذلك تمييزاً لهم عن الفلسطينيين, باعتبارهما مصطلحين متمايزين يشيران إلى واقعين تاريخيين متمايزين, رغم حقيقة أن هذه الجماعة قد أعطت إسمها للبلاد دونما منازع, ورغم العلاقة اللغوية الاشتقاقية الصحيحة للتسمية اللاحقة.
وعلى ذلك فالبحث عن تاريخ الفلسطينيين ليس تنقيباً عن الجذور كما يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة, فالفلسطينيون المعاصرون ليسوا مجموعة عرقية, بل هم نتاج لعملية تاريخية طويلة. وليس معنى ذلك أن هناك فصلاً بين الحاضر والماضي. فالتاريخ هو السيرورة, وهو نشاط الناس المستمر وغير المنقطع.
من هم الفلسطيون؟
يعتبر شامبيليون أول من ربط فلسطيي الروايات التوراتية بالبيلست سنة 1832. وفي سنة 1857 عرف بروغش بيليست بالفلسطيين(2), ومنذ ذلك الوقت أصبح الربط ما بين فلسطيي الروايات التوراتية وبيليست, التي جاءت في الكتابات المصرية مقبولاً على نطاق عالمي. وجاء ذكر الفلسطيين في المصادر التاريخية المصرية من القرن الثاني عشر ق.م, ثم في المصادر التاريخية الآشورية بدءاً من القرن الثامن ق.م, إضافة إلى الروايات التوراتية.
تاريخ المشكلة
ولفت ولش(3) في مقالة كتبها سنة 1900 لأول مرة أنظار الدارسين إلى الخلفية الإيجية لحضارة الساحل الجنوبي من فلسطين, ثم تلاه الألماني تيرش(4) (1908) الذي صاغ المصطلح «الفخار الفلسطي». وفي سنة (1911) أصدر ماكلستر(5) كتابه عن حضارة الفلسطيين, معتمداً على المعطيات البسيطة في تلك الفترة, ويعتبر هذا الكتاب وبحق حجر الزاوية في تاريخ الأبحاث حول الحضارة الفلسطية. وتواكب هذا النشاط المبكر مع التنقيات الأولى التي أجراها ما كلستر ويلس (6) في تل زكريا وتل الصافي 1898 ـ 1900 وتنقيبات ماكلستر في تل أبو شوشة وما كنزي(7) في عين شمس.
وشهدت فترة ما بين الحربين العالميتين نشاطاً ملحوظاً في هذا الاتجاه, تمثل في تزايد أعمال التنقيب في المواقع الفلسطينية, إضافة إلى صدور عدد من الدراسات حول بعض جوانب الحضارة الفلسطية, بما أعطى هذا الموضوع زخماً جديداً. كما ظهرت في هذه الفترة بعض الدراسات الهامة منها مقالة البرايب( حول التوابيت الشبيهة بالإنسان, ومقالة هيرتلي(9) (1936), حول العلاقة بين الفخار الفلسطي والفخار الميسيني.
وبعد الحرب العالمية الثانية استؤنفت التقنيات الأثرية في مجموعة من المواقع مثل تل الدوير والعفولة وتل جمة وتل الحسي... إلخ, كما بدأت تنقيبات جديدة في تل قصيلة والشيخ أحمد العرايني ويازور وأسدود(10) إلخ. وظهرت بعض الدراسات الهامة منها دراسة فورمارك (1941) حول الفخار الميسيني(11) ومجموعة مقالات ونرايت(12) (1952. 1956. 1959) حول شعوب البحر, إضافة إلى دراسات كل من بارنت(13) (1969) والبرايت(14) (1975).
وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة إعادة بعث حقيقة للمشكلة, وتصدى لها العديد من الدراسات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعة أبحاث ترودي دوثان حول الحضارة الفلسطية كمقدمة لكتابها(15) الهام الصادر سنة 1967. كما عالج رايت(16) بعض الجوانب المتعلقة بالحضارة الفلسطية في مقالتين منفصلتين (1959 ـ 1965). وحول المدافن في المواقع الفلسطية ظهرت بعض الدراسات أهمها دراسة ولدباوم(17) (1966) وستيبنغ(18) (1970).
أما أهم الأبحاث المتأخرة, فهي مؤلف أورن(19) (1973) حول المقبرة الشمالية في بيسان ومؤلف ساندرز(20) (1978) حول تاريخ شعوب البحر, وتقرير عمحاي مزار (1982) حول المنطقة المقدسة في تل قصيلة, إضافة إلى الطبعة الإنجليزية لكتاب دوثان(21) (1982) عن الحضارة المادية للفلسطيين. وتاريخ الفلسطيين وحضارتهم المادية كانت موضوع رسالة ماجستير(22) قدمها كاتب هذه المقالة للجامعة الأردنية عام (1983), ورسالة ماجستير(23) قدمت لجامعة بنسلفانيا عام 1986, بالإضافة إلى فيض من الدرسات الحديثة(24).
الفلسطيون في المصادر التاريخية
تشكل الكتابات التاريخية أحد مصادر معرفتنا بالفلسطيين, وتتكون من المصادر التاريخية المصرية والآشورية, إضافة إلى الروايات التوراتية. ويعتبر الفلسطيون في هذا السياق أحد الأقوام القليلة التي أشير لها بشكل مؤكد في المصادر التاريخية منذ القرن الثاني عشر ق.م.
المصادر المصرية
تعتبر الكتابات التاريخية المصرية مصدراً هاماً للتعريف بالفلسطيين, وذلك نظراً لغياب أية مصادر أخرى من القرن الثاني عشر ق.م., وكان لهذه الكتابات دور فعال في إخراج المشكلة الفلسطية من حيز الروايات التوراتية الضيق, ووضعها موضع البحث التاريخي والأثري الجاد.
ذكر الفلسطيون في الكتابات المصرية منذ بداية القرن الثاني عشر ق.م. باسم بيلست, الذي ورد ضمن مجموعات شعوب البحر المسجلة على جدران المعبد الكبير بمدينة هابو(25), وذلك في معرض وصف رعمسيس الثالث لحربة ضد هؤلاء. وقد حفل هذا الوصف بصور المتحاربين ومن بينهم الفلسطيون. وتعود لنفس الفترة تقريباً بعض الإشارات التاريخية في بردية هاريس. وفي نهاية القرن الثاني عشر ق.م. ذكر الفلسطيون بشكل عابر في قائمة أسماء أمنربي(26), كما ترد إشارات هامة في قصة ون ـ أمون(27) التي تعود للقرن الحادي عشر ق.م., ولكن دون أن تأتي عليهم بالاسم.
لقد أسهمت هذه الإشارات مجتمعة في الكشف عن جوانب غامضة من تاريخ الفلسطيين وحضارتهم. وتوحي هذه الكتابات عموماً بأن الفلسطيين كانوا يشكلون العصب الرئيسي لجماعات شعوب البحر بما أهلهم للعب دور بارز في هذه الأحداث.
تحصي نقوش مدينة هابو حروب رعمسيس الثالث ضد الشماليين, في السنة الخامسة من حكمه 1189 ق.م., ثم الغزو البري والبحري الكبير في السنة الثامنة من حكمه 1186 ق.م(28). ويكشف هذا الغزو عن تحالف جديد من الشماليين جرى وصفع وتصويره في مدينة هابو, ويمكن الاستنتاج من نقوش السنة الثامنة وصورها بأن الصدام أخذ شكل معركة برية وأخرى بحرية.
المعركة البرية
يصف رعمسيس الثالث بداية سير المعارك بالقول:
«حاكت البلدان الأجنبية مؤامرة في جزرها فماج سكان اليابسة دفعة واحدة, ودب في نقوسهم الهلع, ولم تقو أي أرض على الثبات أمام جيوشهم من خاتي وكود وكركميش وأرزاوا وألاشيا, وقد أقيم مخيم في آمور».(29)
ثم ينتقل إلى ذكر المجموعات المتحاربة:
«لقد زحفوا قدماً صوب مصر, وكان اللهب معداً لهم, أما تحالفهم فكان من بيليست وتيكر وشكيلش ودنين ووشيش, وهم بلاد متحالفة بسطوا أيدهم على الأرض التي ساروا فوقها وقلوبهم مطمئنة بأن خطتهم ستنجح».(30)
ويصف استعدادهم بالقول:
« حضنت حدودي وجهزت أمامهم الأمراء وقادة الحاميات وجعلت فم النهر( ربما دلتا النيل) متأهباً كسور منيع بسفن الحرب, وهي سفن تعج من المقدمة إلى المؤخرة بمقاتلين أشداً, بكامل عدتهم, وقد أعلن النفير العام في مصر, وكان الرجال يزأرون كالأسود على قمم الجبال, أما رجال العربات فقد ضموا سائقين مختارين من أفضل وأبسل مقاتلي العربات, أما أولئك الذين وصلوا حدودي فأرواحهم أزهقت إلى الأبد».(31)
هذا ما جاء في وصف المعركة البرية. وفي صورتها يظهر أفراد الجيش المصري يعتمرون خوذاً يعلوها قرنان. وفي الجانب الآخر يظهر الأعداء بمعظمهم يقاتلون على عربات, على الطريقة الحثية, كل ثلاثة في عربة, في حين أن العربة المصرية فيها اثنان فقط, السائق ومحارب آخر. وعلى جدران المعبد (32) يظهر شعوب البحر حليقي الوجوه يعتمرون غطاء رأس مميز, مصنوع من دوائر من القصب مثبت بواسطة شريط مشدود تحت الذقن.
المعركة البحرية
يمكن الاستدلال من نقوش هابو بأن المعركة البحرية قد جرت هي الأخرى على مدخل مصر نفسها, حيث جرى صد المهاجمين.
وتصف الكتابات المعركة البحرية بالقول:
«أما أولئك الذين أتوا قدماً متحدين عبر البحر فكان اللهب أمامهم على فم النهر وسياج من الرماح يحيط بهم على الشاطئ, لقد استدرجوا إليها وحوصروا ثم أنهكوا على الشاطئ, وتحولوا إلى أكوام من الجثث, كما أن سفنهم و بضائعهم غرقت في البحر». (33)
ثم تجمل النصوص نتائج المعركة بالقول:
«ارتجفت أجساد الشماليين من بيليست وتيكر الذين تركوا أرضهم, وأزهقت أرواحهم, وهم محاربو عربات على البر ومجموعة أخرى على البحر. أما الذين وصلوا براً فقد دحروا وهزموا فآمون ـ رع كان لهم بالمرصاد. أما الذين دخلوا فم النهر فمثل الطيور التي علقت بالشبكة, لقد ذبح قادتهم, وهزموا وأسقط في أيديهم».(34)
وظهرت صور المعركة البحرية بين شعوب البحر والجيش المصري على الجدار الشمالي للمعبد الكبير في مدينة هابو. وتحت مشاهد المعركة ظهر السجناء الفلسطيون في أصفادهم. وتبدو سفن شعوب البحر لأول وهلة جديدة ومبتكرة, لكنها في الحقيقة لا تختلف عن قوالب النيل التقليدية المصرية(35).
والاختلاف الأساسي بينها وبين السفن المصرية هو أن الأولى تظهر بدون مجاديف, وأنها ذات مقدمة على شكل رأس الطائر, في حين أن مقدمة السفن المصرية على شكل رأس الأسد. (36) وفي مشاهد المعركة البحرية يظهر المحارب الفلسطي (37) حاملاُ زوجاً من الرماح وسيفاً مستقيماً ذا نصلين, إضافة إلى الدرع الدائري المميز والمختلف عن الدرع المصري المربع.
بردية هاريس
أما بردية هاريس فهي عبارة عن وثيقة وجدت في طيبة, ويعود تاريخها إلى أواخر حكم رعمسيس الثالث, وفيها تعقيب على حروبه مع شعوب البحر(38), وتذكر هذه الوثيقة أن رعمسيس الثالث قد استخدم الجماعات المهزومة كقوة عسكرية في الحاميات المصرية, وشكلت هذه الإشارة أساساً لما دعي لاحقاً بفرضية المستعمرات الفلسطينية (38) في دلتا النيل وفي النوبة على حدود مصر الجنوبية.
وتستند هذه الفرضية على التوابيت الشبيهة بالإنسان المكتشفة في تل نبشاه وتل اليهودية في مصر. وقد أجمعت الدراسات اللاحقة.(40) على بطلان هذه الفرضية, فمن جهة أصبح من البديهي بأن التوابيت الشبيهة بالإنسان هي عادة مصرية شاعت خلال الألف الثاني ق.م. ومن جهة أخرى ظهر الفخار الفلسطيني في سياق الطبقات العائدة إلى المملكة الجديدة جنباً إلى جنب مع الفخار المصري.(41) ولكن يبدو أن فشل المهاجمين في شق طريقهم إلى مصر قد حدا ببعضهم, على الأقل, للاستقرار في فلسطين.
الفلسطيون في المصادر الآشورية
كان الأشوريون أول من تكلم عن أرض الفلسطيين (42) منذ القرن الثامن ق.م . وقد غطى هذا الاسم الجزء الجنوبي من فلسطين, وهو الجزء الذي قطنه الفلسطيون في البداية, وأصبحت «فلسطياً» مقاطعة آشورية منذ أواخر القرن الثامن ق.م.
جاء ذكر الفلسطيين في الحوليات الآشورية منذ عهد حدد ـ نيراري الثالث (43) (812ـ788 ق.م.) وفي عهد تغلات ـ بيلسر الثالث (745ـ727 ق.م.) جرت الحملة الآشورية الأولى على فلسطيا(44) وتصف مسلة بازلتية (45) وجدت في أسدود حملة سرجون الثاني على المدينة سنة 713 ق.م.
ويبدو أن موقع فلسطيا على طريق البحر (46) وإشرافها على الطريق التجاري الدولي وطريق الحملات العسكرية العابر من مصر إلى الشمال ـ وبالعكس , إضافة إلى امتلاكها لموانئ ملائمة قد جعلها هدفاً طبيعياً لهذه الحملات, ولكن رغم السيطرة الآشورية تمكنت المدن الفلسطية من المحافظة على استقلالية نسبية, بدفعها الضرائب للملوك الآشوريين مقابل ضمان استقلالها الذاتي وحرية تجارتها الداخلية.
الفلسطيون في الروايات التوراتية
بقي العهد القديم المرجع الوحيد للتعريف بالفلسطين وحضارتهم حتى نهاية القرن التاسع عشر ق.م, وأدى ذلك إلى التأثير على اتجاهات الدارسين, ولكن مع ازدياد حجم النشاط الأثري والأبحاث التاريخية خرجت المشكلة إلى أفاق أرحب, مبرزة تناقض الروايات التوراتية مع المعطيات الأثرية.
و يتضح هذا التناقض في الروايات المختلفة عن أصل الفلسطينيين وانتشارهم الجغرافي إلى جانب محدودية المعرفة التوراتية بالأحداث التي جرت في بداية القرن الثاني عشر ق.م,. والصراع مع شعوب البحر والمصريين. فمن مجموع غزاة البر والبحر في حروب ميرنبتاح ورعميسيس الثالث يشير العهد القديم إلى الفلسطيين فقط (47). وربما يعود ذلك إلى الفاصل التاريخي الكبير الذي يربو على ستة قرون بين رعمسيس الثالث وأولى الإشارات التوراتية.
تذكر أقدم الروايات التوراتية في سفر التكوين بأن الفلسطينيين جاءوا من مصر وكسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم, وترددت الرواية في سفر أخبار الأيام الأولى. ويرتبط الفلسطيون في سفر صموئيل الأول بالكرثيين والبلئيين. كما أشير إلى منطقة غزة باسم النقب الكريتي (48), التي أخذها الباحثون التوراتيون كدليل على علاقة الفلسطيين ببلاد إيجة, والحقيقة أنها دليل لا يعتد به لأنها تفتقد أية براهين.
ويذكر العهد القديم رواية أخرى حول أصل الحقيقة في أسفار التثنية وإرميا وعاموس وهي أن الفلسطيين قدموا من كفتور(49). وتتضارب هذه الرواية سفر التكوين الأولى عن أصل الفلسطيين. وطابق بعض الدارسين(50) بين كفتور وكريت, وهي مطابقة لا يمكن الجزم بصحتها. ويتحدث العهد القديم عن تحالف المدن الفلسطية الخمس (البنتابولس) والمكون من غزة وعسقلان وأسدود وحات وعقرون, وعلى رأس كل مدينة حاكم (51) (سيرين).
كما يتحدث العهد القديم عن الصراع ما بين الفلسطينيين والعبرانيين في سفري صموئيل الأول والثاني, وقد جاءت الإشارات الأولى في سفر القضاة حيث انتصر شمغار بن عنات على الفلسطيين, ثم الصراع مع قبيلة دان, رغم أن موقع دان هو الجليل الشمالي, بما يترك ظالاً من الشك حول الرواية التوراتية.
وفي سفر صموئيل الأول يرد ذكر الحروب بين الفلسطيين والعبرانيين, ففي منتصف القرن الحادي عشر ق.م. هزم العبرانيون في معركة ابنازر في سهل سارونا, وأخضع الفلسطيون مناطق غربي فلسطين واستولوا على سيلون ومجدو وبيسان. واستمرت هذه السيطرة عدة أجيال في النصف الثاني من القرن الحادي عشر.(52) وفي فترة حكم شاؤول بدأت مرحلة جديدة من الصراع, تراجع فيها الفلسطيون عن بعض المناطق ثم عادوا فسيطروا عليها من جديد بعد موت شاؤول في معركة الجلبوع , والتي أسفرت عن نصر للفلسطينيين لم يدم طويلاً, مع بداية حكم داود بدأ نفوذ الفلسطيين في الانحسار تدريجياً, بعد احتلال مناطقهم شمال العوجا, ورغم ذلك استمروا في السيطرة على مراكزهم الأساسية في منطقة الساحل(53), وبعد قيام المملكة المتحدة ذكر الفلسطيون بشكل عرضي بما يوحي أن دورهم أصبح ثانوياً.
دفع الوصف التوراتي بالكثير من الدارسين إلى اعتبار التنظيم الاجتماعي للفلسطيني شكلاً لارستقراطية عسكرية(54), ولكن دلائل الحضارة المنسوبة للفلسطينيين تشير إلى تفاعل وتداخل عميقين يصعب في أغلب الأحيان فصله, بما لا يتأتي لأي أرستقراطية عسكرية أن تفرزه.
كما لا تنسجم الإشارات التوراتية حول ديانة الفلسطيين مع فرضية الأثريين التوراتيين حول أصل الفلسطيين. فمن الواضح أن ديانة الفلسطيين كانت محلية(55), ولا يوجد ما يميزها في العهد القديم عن الديانة الكنعانية, فأسماء آلهة الفلسطيين الكبيرة مثل داجون وعشتروت وبعل هي أساساً أسماء آلهة كنعانية,. هذا فضلاً عن تعارضها مع الدلائل الأثرية.
الإثنين 26 ديسمبر 2022, 10:49 pm من طرف backup
» جروب علي الفيس بوك
الثلاثاء 28 يوليو 2015, 2:49 am من طرف ميدو171983
» غبنا وغاب الابداع,,,ورجعنا نعدل الاوضاع
الجمعة 19 أبريل 2013, 12:25 pm من طرف معين الحارة
» شاهد أغرب مركز تسوق فى العالم
الجمعة 19 أبريل 2013, 12:20 pm من طرف معين الحارة
» سجل حضورك بنطق الشهادتين (يرجي التثبيت)
الإثنين 25 مارس 2013, 4:06 am من طرف شيخ الحارة
» سجل حضورك بلن نعترف باسرايل ارجو التثبيت
الإثنين 25 مارس 2013, 4:04 am من طرف شيخ الحارة
» سجل حضورك يوميا بالصلاة على الحبيب محمد
الإثنين 25 مارس 2013, 4:01 am من طرف شيخ الحارة
» كتة بتخليك ترد غصـــــــــب....هههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههههههه
الثلاثاء 05 مارس 2013, 5:05 am من طرف غريبه الناس
» فوائد انقطاع التيار الكهربائي في غزة هههههههه حكمتك يارب
الثلاثاء 05 مارس 2013, 4:44 am من طرف غريبه الناس